كلمة المحرر

 

 

 

 

انكساراتنا ترجع إلى الضعف وانتصارات الغرب ترجع إلى القوة

 

 

 

 

 

     القوة هي التي تدور عليها شؤون العالم؛ فالقويُّ يفعل ما يشاء، والضعيفُ عليه أن يصبر ويحتمل ما يُصَبّ عليه من الأذى. والقويُّ مزاعمه كلّها صائبة، والضعيفُ حقائقُه كلها كاذبة لا يلتفت إليها أذن، القويُّ يُحَوِّل الكذبَ صدقًا فيؤمن الناس كلُّهم بأنه صدق، والضعيف يَصْدُق فيُكَذِّبونه. حقًّا إن القوةَ ظلّت دائمًا تفرض سلطتها على الناس، وظلّوا يخضعون لها ويخافون سلطانَها وبطشَها. والضعفُ داءٌ دويٌّ لم يتمّ لحدّ اليوم التوصّل إلى علاجه، وإنما علاجُه الوحيد إذا تيسّر تحوُّله قوةً مهيبة. أليس أن أمريكا تقول: إن مبنى التجارة العالميّ لديها فَجَّرَه أسامة بن لادن ورجال قاعدته، فصدّقه العالمُ رغم معظم من خبراء الغرب أكّدوا أن هذا التفجير لاتقدر عليه القاعدة ولا رجالها ولا مؤسسها أسامة بن لادن، وإنما تمّ تفجيرها عن طريق تخطيط دقيق يكون قد ساهم فيه بالتأكيد رجال الأمن والإدارة والقوات الأمريكية لتحقيق مصالح كانوا بسبيل تحقيقها، فلم يجدوا طريقًا إليها أقصر وأسرع إلاّ أن يقوموا بهذا التفجير المُخَطَّط. وقد طلب كثير من أنصار العدل والحقوق الإنسانيّة أن تُقَدِّم أمريكا دلائل تؤكد أن أسامة وقاعدته كانا وراء التفجير، حتى تصح الحربُ التي شنتها على كل من أفغانستان والعراق وباكستان وحتى يجوز ما اقترفته من اعتقال شباب بريء من المسلمين من شتى الدول الإسلامية وغير الإسلاميّة وزجت به إلى مُعْتَقَل «غوانتانا» الذي أساء سمعتها في العالم بنحو لايمكن تلافيه أبدًا؛ لأنّه سُجِّلَ في التأريخ، وإلى معتقلات أخرى سيئة السمعة للغاية في كل من العراق وأفغانستان وغيرهما؛ ولكنها لم تقدم هذه الدلائل لحد كتابة هذه السطور يوم الخميس: 8/ جمادى الأخرى 1432هـ = 12/ مايو 2011م وقد مضى على هذه الحادثة عشر سنوات وقد أعلنت أمريكا أنها قد قتلت أسامة بن لادن.

     القوةُ هي المحكّ المزدوج المُعَقَّد العجيب، إذا امتلكتها دولة أو فرد يفعل ما يشاء، وفعلُه كلُّه معقول صائب مهما كان مبنيًّا على الظلم الصريح، والعدوان الصارخ، والجريمة الكبرى. والضعفُ جريمة كبرى في حق من يتّصف بها، لأنه يكون مضطرًّا لأن يتحمل مسؤوليّة كل الذنوب التي ارتكبها غيره، فضلاً عن الذنوب التي صدرت منه عن غير قصد.

     ترى كم أذنبت الدول الإسلامية والعربية التي لم تهتم بالتسلّح بالقوة، التي أُمِرَتْ بها الأمة الإسلامية بنص القرآن الكريم المحكم، فصارت ذليلة مهانة تدوسها أمريكا والصهيونية العالمية والصليبية المُطّبِّلة في تأييدها ودعمها والتكاتف معها. تقتحمها أمريكا القوية متى تشاء، وتقتل أبناءها، وتنهب خيراتها، وتدمر أرضها، وتغتصب عِرضها، وتستعبد شعوبها، وتسخرها لمصالحها، وتقتل كل يوم عددًا كبيرًا من أبريائها، لذنب واحد وهو أنهم مسلمون.

     القوةُ هي التي أتاحت لأمريكا أن تدوس القوانينَ الدوليَّةَ وتُرْغِم العالمَ على أن يُؤيّدها، ويقول: أصبتِ وأحسنتِ وأجدتِ وأفدتِ.

     والضعفُ هو الذي جَعَلَ العالمين العربي والإسلامي يخضعان لأمريكا، ويكونان ذيلاً ذليلاً لها، ويصبران على كل الأفاعيل التي تصنعها هي معهما، ويطبقان حرفيًّا جميع أوامرها، حتى يرضيان بتحجم مناهجهما الدراسيّة الدينية، وفرض الحظر على جمعياتهما الخيريّة، والبطش بشبابهما الإسلامي، والتعاون معها في تعذيب المتدينين لديهما باعتبارهم إرهابيين، وفي زرع الثقافة والحضارة الغربيتين في ربوعهما، وفرض الحظر على حجاب السيدات، والشروط التعجيزية على بناء المساجد والمدارس والجمعيات الخيرية، لأن أمريكا توهمهما أنها مصادر ومفارخ للإرهاب!.

     إنّ هناك مُعْطَيَات رهيبةً جدًّا في حياتنا للضعف الذي استغلته أمريكا والغرب القويان ولايزالان. وإحصاؤها يُمِلّ القارئَ، ويطيل المقالَ.

     وبالإيجاز يجوز أن نقول: إن جميع مصائبنا ترجع إلى الضعف، وجميع انتصارات الغرب علينا ترجع إلى القوة.     [التحرير]

 

(تحريرًا في الساعة 12من ضحى يوم الخميس : 8/جمادى الأخرى1432هـ = 12/مايو 2011م)

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، رجب  1432هـ = يونيو  2011م ، العدد : 7 ، السنة : 35